فصل: قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب تخفيف قيام الليل ونقل الكسب والصدقة:

ثم ذكر اللّه حكمة التخفيف المعبر عنه بالنسخ في أغلب كتب المفسرين فقال: {علِم أنْ سيكُونُ مِنْكُمْ مرْضى} يشق عليهم القيام أو يزيد في مرضهم أو يسبب لهم مرضا آخر إذا بقوا على حالتهم الأولى بدليل الحديث المتقدم ذكره إذ جاء فيه ان انتفخت أقدامهم وهذه حكمة أخرى غير حكمة عسرة الإحصاء تقدير الأوقات مقتضية للتخفيف {وآخرُون يضْرِبُون فِي الْأرْضِ} يسافرون للتجارة والزيارة والعمل وغيره {يبْتغُون} الربح {مِنْ فضْلِ اللّهِ} وطلب العلم وصلة الرحم وأداء الفرض والسنة من حج وعمرة طلبا للأجر، وهذه حكمة ثالثة في التخفيف، والحكمة الرابعة هي {وآخرُون يُقاتِلُون فِي سبِيلِ اللّهِ} غزاة مجاهدين أو مرابطين وهؤلاء لا يتمكنون من قيام الليل لأنهم في مشقة فلا يتحملون مشقة أخرى فوقها، وقد سوى جل جلاله بين المكتسب والمجاهد، لأن كسب الحلال جهاد أيضا.
روي عن أبن مسعود قال: أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بعد يوم كان عند اللّه بمنزلة الشهداء، ثم قرأ {وآخرُون يضْرِبُون} الآية وقال ابن عمر رضي اللّه عنهما: ما خلق اللّه موتة أموتها بعد القتل في سبيل اللّه، أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رحل أضرب في الأرض، أبتغي من فضل اللّه.
وأخرج سعيد بن منصور البيهقي في شعب الإيمان، وغيرهما عن ابن عمر قال: ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل اللّه أحب إليّ من أن يأتيني وأنا بين شعبتي جبل التمس من فضل اللّه، وتلا هذه الآية، قال تعالى: {فاقْرؤُا ما تيسّر مِنْهُ} أي القرآن، وأعاده تأكيدا على كفاية قراءة جزء يسير منه وحصول المقصود فيه في الصلاة بقوله تعالى: {وأقِيمُوا الصّلاة} المفروضة بما تيسر لكم من قراءته.
واستدل أبو حنيفة ومن رأى رأيه في هذه الآية على أن المفروض في الصلاة هو قراءة مطلق آية منه مثل {ثُمّ نظر} الآية 21 من المدثر الآتية.
وقال مالك والشافعي ومن رأى رأيهما أن ما تيسر هو الفاتحة، ولكل وجهه، قال تعالى: {وآتُوا الزّكاة} الواجبة عليكم المعلومة في كتب الفقه، وسنين ما يتعلق بها في تفسير الآية (260) من البقرة والآية 60 من سورة التوبة، قال تعالى: {وأقْرِضُوا اللّه قرْضا حسنا} بأداء زكاة أموالكم المفروضة عليكم لأربابها، وفي وصف القرض بالحين تنبيه على إعطائها كاملة عن طيب قلب، ولأجل أن يطمئن المتصدق على ذلك ينبغي أن يتصدق زيادة على الفرض كصدقه التطوع وصلة الرحم وقرى الضيف والتصدق على أهل الذّمة المعدمين وعلى الحيوان، فإن في كل كبد حرّاء أجرا، ويخص الأقرب فالأقرب ويدل قوله تعالى: {حسنا} على أن يكون المتصدّق به من كسب طيب ولا يقبل اللّه إلا الطيب، وتدل إضافة القرض لذاته الكريمة على عدم المنّ على الفقير بما يعطيه لأنه معاون له على الأجر، فالمنة للّه وحده، وأن تكون من وسط الأموال ان لم تكن من أحسنها كما سيأتي في الآية 267 من البقرة أيضا، ولهذا يقول تعالى قوله: {وما تُقدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ} أيها المؤمنون {مِنْ خيْرٍ} ما ولو قليلا جدا، فإنكم {تجِدُوهُ عِنْد اللّهِ} في اليوم الآخر هو {خيرا} من الذي ادخرتموه {وأعْظم أجْرا} من الذي قضيتم فيه مصالحكم، وقرئ خير بالرفع على لغة تميم الذين يرفعون الفاصلة، فيقولون: كان زيد هو العاقل.
روى البغوي بسنده عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أيكم ماله أحب اليه من مال وارثه؟ قالوا: يا رسول اللّه ما منا أحد إلا وماله أحب اليه من مال وارثه، قال: اعلموا ما تقولون، قالوا ما نعلم الّا ذلك يا رسول اللّه، قال: ما منكم رجل إلا مال وارثه أحبّ اليه من ماله، قالوا: كيف يا رسول اللّه؟ قال: إنما مال أحدكم ما قدّم، ومال وارثه ما أخر»، هذا {واسْتغْفِرُوا اللّه} في تقصيركم فيما فرضه اللّه عليكم من الصلاة والزكاة.
ولذلك شرعت الواجبات إكمالا للفرائض والسنن إكمالا للواجبات.
لأنه إذا اقتصر على الفرض، فلو بما أن يكون قصّر فيه فيكون في شكّ في إتمام ما أمر به {إِنّ اللّه غفُورٌ} لما وقع منكم من التقصير، دون علم وتعمد في هذين الفرضين وغيرهما {رحِيمٌ 20} بعباده لا يؤاخذهم على الخطأ والنسيان فيما أمرهم به ونهاهم عنه.
والدليل على نزول هذه الآية بالمدينة الأمر فيها بإقامة الصلاة حيث فرضت ليلة الإسراء 27 رجب سنة 51 السنة العاشرة من البعثة بمكة ولم تكن إقامتها علنا إلا بالمدينة.

.مطلب فرض الزكاة والصلاة وتاريخهما ومحلهما:

أما الزكاة فقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة سنة 55 من ميلاده، فيكون بين آيات القيام المبينة أول السورة وبين آية التخفيف فيه، هذه ما يقارب عشر سنين، وعليه يكون نزول هذه السورة سنة 45 من ميلاده الشريف الرابعة من البعثة، ثم فتر الوحي بعد هذه السورة وما قيل ان آية {واهْجُرْهُمْ هجْرا جمِيلا} المارة نسخت بآية {ذرْنِي والْمُكذِّبِين} المارة بعدها، وكذلك آية {فمنْ شاء اتّخذ إِلى ربِّهِ سبِيلا} بآية {وما تشاؤُن إِلّا أنْ يشاء اللّهُ} المارة بعدها، أو بآية السيف لا وجه له كما سيأتي.
واعلم أن هذه الآية عدا آية المداينة 280 والآيتين من سورة البقرة 101 و258 والآيتين من النساء 44 و91 والآية من المائدة 109 تعد من أطول آي القرآن مما يدل على مدنيتها أيضا، لما ذكرناه في بحث مميزات المكي والمدني بأن غالب آيات المدني طوال والمكي قصار.

.مطلب لا محل للبحث في ترتيب الآيات والسور:

وتدل أيضا على أن ترتيب الآيات مع سورها توقيفي كما ذكر قبلا في بحث وضع السور والآيات، وانه أمر من حضرة الرسول ولا دخل لأحد من الأصحاب في ذلك، وهو موافق لما في لوح اللّه المحفوظ ولا يعلم الحكمة في هذا الترتيب إلا اللّه والمنزل عليه، ولذلك فإن العلماء تحاشوا البحث فيه، وإنما أشاروا إلى بعض المناسبات مما في السورة الأولى للتي تليها.
إذن لا مجال للقول والتقول في هذا الشأن البتة.
تأمل وحسن نيتك وعقيدتك تفز وتنجح ويفتح عليك هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة المزمل عليه السلام:
مكية وقيل إلا قوله: {إن ربك يعلم} إلى آخرها فمدني.
{أو زد عليه} تام نقله أبو عمرو عن نافع ثم قال وهو صالح.
{ترتيلا} كاف.
{ثقيلا} حسن وقال أبو عمرو تام.
{قيلا} كاف وكذا {طويلا}.
{تبتيلا} تام لمن قرأ {رب} بالرفع وليس بوقف لمن قرأه بالجر بدلا من {ربك}.
{لا اله إلا هو} كاف.
{وكيلا} أكفى منه.
{جميلا} كاف. وكذا {قليلا}.
{أليما} مفهوم.
{مهيلا} تام.
{وبيلا} حسن.
{منفطر} به تام وكذا {مفعولا}.
{تذكرة} جائز.
{سبيلا} تام.
{من الذين معك} كاف.
{فتاب عليكم} جائز.
{من القرآن} كاف وكذا {في سبيل الله}.
{ما تيسر منه} تام.
{حسنا} كاف قاله أبو حاتم وهو عندي أتم مما قبله.
{أجرا} كاف.
{واستغفروا الله} جائز.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة المزمل صلى الله عليه وسلم:
مكية.
قيل إلا قوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم} إلى آخرها فمدني.
كلمها مائة وتسع وتسعون كلمة.
وحروفها ثمانمائة وثمان وثلاثون حرفا.
وآيها عشرون آية.
{أو زد عليه} تام ومثله {ترتيلا} وكذا {ثقيلا} على استئناف ما بعده.
{قيلا} كاف. وقيل تام.
{طويلا} كاف على استثناء ما بعده وحسن إن عطف ما بعده على ما قبله.
{تبتيلا} تام لمن قرأ {رب} بالرفع خبر مبتدأ محذوف أو رفعه بالابتداء والخبر جملة {لا إله إلا هو} وبها قرأ أبو عمرو وعبد الله بن كثير ونافع وحفص عن عاصم وليس بوقف لمن جره على البدل من {ربك} ومثله في عدم الوقف من جره بقسم مضمر كقولك الله لأفعلنّ وجوابه لا إله إلاّ هو ونسب هذا لابن عباس قال أبو حيان ولا يصح هذا عن ابن عباس لأنّ فيه إضمار الجار ولا يجيزه البصريون إلا مع لفظ الجلالة ومن قرأه بالجر وهو حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر عن عاصم فلا يقف على {تبتيلا}.
{لا إله إلا هو} حسن.
{وكيلا} كاف وكذا {جميلا} ومثله {قليلا}.
{أليما} جائز إن نصب {يوم} بمقدر مفعولا به وكان من عطف الجمل وليس بوقف إن جعل ظرفا لقوله: {إن لدينا أنكالا} والمعنى أن لدينا أنكالا في هذا اليوم.
{والجبال} الأوّل حسن.
{مهيلا} تام.
{رسولا} الثاني حسن على استئناف ما بعده.
{وبيلا} كاف..
{إن كفرتم} قال نافع تام وغلطه في ذلك جماعة منهم أبو حاتم وجعلوا {يوما} منصوبا بـ: {تتقون} نصب المفعول به على المجاز على حذف مضاف أي واتقوا عذاب الله يوما واختاره أبو علي النحوي أو التقدير فكيف تتقون يوما الذي من شدته كذا وكذا وليس ظرفا لأنّ الكفر لا يكون يوم القيامة أي كيف تقون أنفسكم عذاب يوم يجعل الولدان شيبا.
وقال الأخفش الوقف {كفرتم} وجعل {يوما} منصوبا على الظرف وجعل الفعل لله تعالى والتقدير يجعل الله الولدان شيبا في يوم. وهذا ليس بمختار والأصح أنّ الضمير في {يجعل} لليوم ولا يجوز نصبه على الظرف لأنّهم لا يكفرون ذلك اليوم بل يؤمنون لا محالة إذا عاينوا تلك الأهوال لأنّ اليوم هو الذي من شدة هوله يصير الولدان شيبا ويصير الكهل كالسكران قال أمية بن أبي الصلت:
كل عيش وإن تطاول دهرا ** صائر مرة إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ** في قلال الجبال أرعى الوعولا

إنّ يوم الحساب يوم عظيم ** شاب فيه الصغير يوما ثقيلا

وقيل الوقف {تتقون} والابتداء بقوله: {يوما} بتقدير احذروا يوما يجعل الولدان شيبا. وقيل الوقف {شيبا} على أنّ في الآية تقديما وتأخيرا.
والمعنى فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم في الدنيا. والأجود أن لا يوقف عليه لأنّ ما بعده صفة {يوما}.
وقال أبو حاتم الوقف {السماء منفطر به} أي بذلك اليوم وقرأ العامة بتنوين {يوما} والجملة بعده نعت له والعائد محذوف أي يجعل الولدان فيه وقرأ زيد بن عليّ {يوم يجعل} بإضافة الظرف للجملة والفاعل ضمير البارئ و{شيبا} مفعول ثان لـ: {يجعل} والأصل فيه أنّ الهموم إذا تفاقمت أسرعت الشيب قال الشاعر:
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

قال إسماعيل بن خالد سمعت خيثمة يقول في قوله: {يوما يجعل الولدان شيبا} قال يؤمر آدم عليه السلام فيقال له قم فابعث بعث النار من ذريتك من كل ألف تسعمائة وتسعون فمن ثم يشيب المولود فنسأل الله النجاة من عذابه وغضبه وهذا غاية في بيان هذا الوقف ولله الحمد.
{منفطر به} تام أي بذلك اليوم أو فيه ومثله {مفعولا}.
{تذكرة} كاف على استئناف ما بعده.
{سبيلا} تام.
{معك} كاف.
{والنهار} حسن ومثله {فتاب عليكم}.
{فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} أحسن مما قبله.
{مرضى} ليس بوقف لعطف ما بعده على ما قبله.
{من فضل الله} حسن للفصل بين الجملتين لأنّ الضار بين في الأرض للتجارة غير المجاهدين في سبيل الله.
{ما تيسر منه} كاف.
{وآتوا الزكاة} جائز.
{حسنا} كاف ومثله {أجرا}.
{واستغفروا الله} حسن.
آخر السورة تام.. اهـ.